نظارةُ عزيزٍ

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

منذ أن أصبحت آلي Ally، ابنة كايلا كيرتون Keyla Kirton من نيويورك، في الصف الابتدائي الثاني، صار إنجاز الفروض المدرسية مهمة تستغرق الأمسيةقال عزيزٌ لأبيهِ: إن الأستاذَ يريدُ أن يراكَ. فقال الأبُ: لِمَ؟ هل ارتكبتَ خطأً في المدرسةِ؟ قال عزيزٌ لوالدِه: أنا كما أوصيتني ملتزمٌ بحسنِ السلوكِ، خصوصًا في المدرسةِ، وأنا لا أرضى أن تكون سيرتي في المدرسةِ سيئةً، لأن ذلك يؤثرُ في مستقبلي وفي سمعتِك. قال الأبُ: حسنًا سأحضرُ لأرى ما الأمرُ؟
في اليومِ الثاني توجه والدُ عزيزٍ إلى المدرسةِ ليستفسرَ عن أسبابِ استدعائِه.. فطمأنَه الأستاذُ، وقال: إن عزيزًا تلميذٌ مهذبٌ، وليس لنا أي ملاحظةٍ على سلوكِه. ولكن أمرًا سبَّبَ لي القلقَ. فقد لاحظتُ أن ابنَك حين تكونُ كتابةُ على السبورةِ، فإنه يحرِّك عينيه فيفتحهما ويفركهما بإصبعيه، ويحدقُ في السبورة، وقد ينتقل إلى مقعدٍ آخرَ، وإني لأظنه يعاني ضعفًا أومرضًا في عينيه.
شكرَ والدُ عزيزٍ الأستاذَ، وقال: سنسعى إلى تداركِ الأمرِ في عطلةِ نهايةِ الأسبوعِ. وفي يومِ العطلةِ ذهبَ والدُ عزيزٍ مع ابنِه إلى طبيبِ العيونِ. وبعد أن فحصَ الطبيبُ عزيزًا قال لأبيه: لقد أحسنتَ بإحضارِه مبكرًا، فإنه يعاني «الشوس» وهو انحرافُ الرؤيةِ، وهو مرض يزيد إذا لم يعالج. قال الأبُ: وما علاجُه؟ قال الطبيبُ: إنه أمرٌ بسيطٌ، فسأصفُ له نظارةَ تصحح الانحرافَ، وسألَ الأبُ: هل النظارةُ كافيةٌ؟ فقال الطبيبُ: نعم، ولكن يجب على ولدِك أن يضعَها دائمًا على عينيه حتى لا يزداد الانحرافُ.
في اليوم التالي، ذهب عزيزٌ مع والدِه إلى بائعِ النظاراتِ المناسبةِ لتصحيحِ الرؤيةِ، وحسنِ النظرِ، فاشترى له واحدةً. وحين دخلَ عزيزٌ الصفَّ قوبل بالتعليقاتِ المليئةِ بالإعجابِ بما رأى.
مضت بضعةُ أيامٍ دون أن يسمعَ والدُ عزيزٍ من ابنِه إلا الشكرَ على النظارةِ، وأنه أصبحَ يتابعُ الدروسَ على السبورةِ، وعلى صفحاتِ الكتبِ بكل يسرٍ.
لكن في أحدِ الأيامِ جاءَ عزيزٌ والوجومُ على وجهِهِ، وقد أطرقَ برأسِه، ونظرَ الأبُ إلى وجهِ ابنِهِ، فتوجسَ شرًا، فسأله: ما بك؟ فسكت، وحين أعادَ عليه أبوه السؤالَ أجهشَ عزيزٌ بالبكاءِ. فسأله أبوه مرة أخرى، فتكلم ببطء، وقال: خرجتُ من المدرسةِ، فدعاني أصدقائي للعبِ الكرةِ. ونحن نلعبُ ضربَ أحدُهم الكرةَ برجلِهِِ بشدةٍ، فأصابت النظارةَ وعيني، وسقطت النظارةُ على الأرضِ. وحين تحركت لأعثر عليها دست عليها خطأً، فتكسرت قطعًا. وقد أصبت بالفزعِ والحزنِ، والخوفِ من أن تغضبَ. قال الأبُ: إنك مخطئٌ يا بني، تلعب والنظارةُ على وجهِك، كان عليك أن تنزعَها من على وجهِك.. وعلى كل حالٍ، حصلَ خيرٌ إن شاءَ اللهُ.
وفي اليومِ التالي، ذهبَ عزيزٌ إلى المدرسةِ، وجلسَ ساكتًا. وحين سألَ الأستاذُ عزيزًا عن نظارتِه، أجاب: إنها انكسرت في حادثةٍ.
قبل الانصرافِ جاء الأبُ إلى المدرسةِ، وأخذ ابنَه إلى بائعِ النظاراتِ، وطلب منه أن يصنع نظارةً جديدةً لابنِه. ثم قال له: إنني أحذرك أمام هذا الأخ أنك إن كسرت هذه النظارةَ فستدفعُ ثمنَ نظارةٍ جديدةٍ وإلا ستبقى بلا نظارةٍ، وسيكون ذلك درسًا لك لتحافظَ على أشيائك. فإن الذي لا يحافظُ على ممتلكاتِه لن يحافظَ على ممتلكات غيره، ولن ينجحَ في حياتِه.
مضى شهران، والأمورُ تسيرُ بشكلٍ حسنٍ حتى كان يومٌ أفاقَ فيه عزيزٌ من نومِه، وبحثَ عن نظارتِه في المكانِ الذي تعودَ أن يضعَها فيه كلَّ يومٍ، فلم يجدْها. وراحَ يبحثُ عنها، وتذكرَ أنه وضعَ النظارةَ على الفراشِ، ولم يضعْها في مكانِها، ونظرَ إلى فراشِ نومِه، فقد نامَ فوقَها دون أن يرفعَها. وإذ بالنظارةِ قد أصبحتْ قطعًا.. فقد تكسَّرت تحتَه.
لم يدرِ عزيزٌ ماذا يفعلُ، فلجأ إلى أمِّه، وأخبرَها بما حصلَ، وطلبَ منها إن كان معها مالٌ أن تسلفَه إياه، وحين تنتهي المدرسةُ سيعملُ ويسددُ لها ما استدانه. فأعطته ما يلزمه من المالِ، ولكنها أخبرتْ أباه بما حصلَ، وطلبتْ منه أن يكتمَ علمَه بما خبَّرتُه به.
مرَّ والدُ عزيزٍ على بائعِ النظاراتِ، وأعلمَه بما جرى، ودفع ثمنَ نظارةٍ جديدةٍ، وطلبَ منه أن يسلمَ النظارةَ إلى عزيزٍ، وأن يأخذَ منه ثمنَها. وفي الموعدِ المحددِ جاء والدُ عزيزٍ إلى بائعِ النظاراتِ، وسلمَ عليه، ثم دخلَ إلى المحلِ. ولم تمضِ فترةٌ طويلةٌ حتى حضرَ عزيزٌ، فقدمَ له بائعُ النظاراتِ النظارةَ، واستلمَ ثمنَها. وحين أمسك البائعُ بالثمنِ ظهرَ والدُ عزيزٍ من داخلِ المحلِ. فقال بائعُ النظارةِ: اسمعْ يا عزيزٌ، إن أباك دفع ثمنَ النظارةِ. وهذه المرةُ الثالثةُ. فأطرقَ عزيزٌ خجلاً، وقال الأبُ: يا عزيزٌ، يجبْ أن تشعرَ بمسؤوليتِك، وأن تحافظَ على ممتلكاتِك، وهذا درسٌ لك في المستقبلِ. قال عزيزٌ: إني لأشعرُ بالخجلِ منك يا أبي. وللأسف، إني لم أحافظْ على نظارتي، وإني أعتذرُ إليك، وسأعملُ بنصيحتِك.
وحين عادَ عزيزٌ إلى البيتِ أرجعَ لأمِّه المالَ الذي استدانَه.. فشكرتْه.